تختلف الأحزاب البرامجية عن غيرها في أنها تطرح برامج معينة تسعى إلى تنفيذها ولا تدعي امتلاك إجابات لكل الأسئلة المطروحة، ولا تطرح نظرة شمولية يمكنها الإجابة على كل الأسئلة الفلسفية والنظرية، والنقطة الأخيرة هي أكثر خصوصا عندما يكون الحزب عابر للأيدولوجيات.
ينبغي هنا أن نشير إلى أهم فرق بين مفهوم البرامجية ومفهوم عبور الأيدولوجيا بوضوح، فالحزب البرامجي يمكن أن يستند على أيدولوجية معينة تسيّر أو توجه برامجه لكنه يسعى إلى تطبيق برامج معينة من وحي أيدولوجيته ولا يسعى بالضرورة إلى قيادة الدولة بكل أدواتها حسب أيدولوجيته. بينما المنظومات العابرة للأيدولوجيا تعي الاختلاف بين أطروحات الأيدولوجيات المختلفة وتتقبل هذا الاختلاف في إطار ضمني، غير اقصائي ولا تتبنى أي منها بشكل مؤسسي بل تبني برامجها حسب ضرورات الواقع، مستهدية بشكل رئيس بالحوار، داخليا ضمن مكوناتها وخارجيا في المجتمع ككل عبر إشراك أصحاب المصلحة والمختصين.
فلسفتنا في العمل السياسي ترتكز على إيجاد الحلول لمشاكل المواطن المعاشة كتوفير الكهرباء والماء والخدمات الصحية والتعليم كما ونوعا، والطرق وبقية البنى التحتية والأمان الغذائي كذلك، عبر أدوات العمل العابر للأيدولوجيات. نحن نؤمن بأن وجود نص دستوري يشير إلى مصادر التشريع أو وجود نص دستوري يشير إلى الشريعة لا يؤثر سلبا ولا إيجابا في توفير الرغيف ولا يؤثر في سعره ولا في توفر الخدمات الصحية ولا سهولة الوصول إليها كما أنه لا يساهم في زيادة إنتاجية البلاد من المحاصيل لتوفير الأمان الغذائي ولا يؤثر على قدرة الدولة على التصدير بغرض دعم اقتصادها. كما أن وجود هذا النص ضمن الدستور لم يمنع المسؤولين في نظام الإنقاذ البائد وقبله نظام مايو وكذلك في فترة الديمقراطية 1986-1989م، من الفساد ولم يقلل منه ونحن نعتقد أن غياب النص أيضا لن يؤثر سلبا ولا إيجابا على كل ذلك.
النخبة السياسية في السودان بيمينها ويسارها تعتقد أن أحد أهم أولوياتها هو قضية الشريعة أو علاقة الدين والدولة، بينما في السودان اليوم هناك 2.4 مليون طفل لم يذهبوا إلى أي مدرسة بتاتا، كما أن 41% من سكان السودان لا توجد لديهم مياه آمنة صحيا للشرب أو ليست لديهم مياه في أماكن سكنهم بتاتا، وكذلك هناك 61.5% من السكان لا يستعملون الكهرباء لعدم وصولها إليهم.
اعتقاد الاحزاب والقوى السياسية التقليدية في السودان أن جوهر الاختلاف السياسي مكمنه قضية الدين والدولة هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت لشكل الدولة الفاشل حاليا في السودان. فالحقيقة أن انقلاب مايو كان أحد أهم محركاته هو هذه القضية وفشل التحالفات المتعددة في الديمقراطية الثالثة (1986-1989م) أيضا كان على خلفية هذه القضية كما أن نظام الإنقاذ نفسه كان محركه هذه القضية عينها ليقوم بانقلابه المشؤوم، ولم تكن أي من قضايا التنمية والخدمات (التعليم، الصحة، الكهرباء، الماء...الخ) في قمة الأولويات السياسية لأي من الأحزاب أو القوى السياسية خلال هذه الفترات.
نحن نؤمن أن جوهر السياسة هو كيف تدار الدولة لصالح المواطن (توفير الخدمات أعلاه)، فالسياسي المنتخب هو موظف قام الشعب بتوظيفه ليحقق لهم الخدمات بشكل أساسي ويدير موارد البلاد بهذا الغرض وبالتالي فإن السياسي الذي يسعى إلى أن يكون منتخبا يجب أن يخاطب المواطنين بخططه المفصلة لتوفير هذه الخدمات لكل المواطنين وكيف سيمولها وكيف سيحافظ على استمراريتها وكيف سيسعى لتحسين جودتها في حال وجودها.
ما ذكر أعلاه لا يعني بأي شكل اعتقادنا بعدم أهمية التشريع، بل يعني أننا كحزب برامجي عابر للأيدولوجيات نسعى إلى توفير تحسين مستمر في أوضاع المواطن الاقتصادية والخدمية عبر كل السبل الديموقراطية والقانونية الممكنة والمتاحة، لأن واقع المجتمع هو ما يُشكل وعيه وبالتالي يحسّن مستقبله ويخلق واقعا جديدا نحو الأفضل. باختصار نحن نؤمن أن التنمية هي ما يخلق الوعي وأن الوعي الناتج قادر على خلق تنمية أفضل، تقوم هي بدورها بخلق وعي أفضل وهكذا، في تحسين مستمر على صعيدي التنمية والوعي، هذا التحسن المستمر في الوعي من الطبيعي أن ينتج عنه تطور مستمر في التشريعات المرتبطة بالمجتمع.
قد يتبادر إلى أذهان الكثيرين سؤال حول موقف الحزب العابر للأيدولوجيات إذا ما طرحت قضايا تشريعية أمام نوابه في البرلمان، فكيف سيصوت النواب ازاء هذه القضايا؟ هنا تكمن عبقرية طرحنا في حزب بناء السودان، ببساطة، إذا ما كانت القضايا التشريعية المطروحة لا تتقاطع مع أي من برامج الحزب المتفق عليها، فإن مؤسسات الحزب تمنح نوابها في البرلمان حق التصويت الحر (Free-Vote) وهو ما يعني أن لكل نائب الحق في التصويت فيما يراه يتناسب مع أفكاره، وهذه أوضح علامات التعبير عن التنوع الأيديولوجي داخل منظومة حزبنا العابر للأيديولوجيات.
عابرون للأيدولوجيات
فذلكة تاريخية:
ظلت المنظومات السياسية خلال القرون الثلاثة الماضية تنقسم إلى يمين ويسار وقد ظهر هذا المصطلح إبان الثورة الفرنسية في 1789، تعرف الثورة الفرنسية أنها الثورة التي غيرت مسار الواقع السياسي في العالم. حيث كان مناصرو الملك المدعوم بالسلطة الدينية يسمون باليمينيين ومناصرو الثورة التي دعت أن تكون فرنسا جمهورية، سمو باليساريين. وبعد انتصار الثورة وفي البرلمان الفرنسي، أصبح أصحاب الرأي ببقاء فرنسا على أنظمتها القديمة (المحافظون) يجلسون على يمين رئيس البرلمان، بينما يجلس الثوار إلى يساره.
خلال تطور الفكر السياسي العالمي ظل اليمين السياسي يميل إلى السياسات الرأسمالية والمحافظة بينما تسمت المنظومات التي تدعو إلى الاشتراكية بالمنظمات أو الأحزاب اليسارية. ظهر الوسط السياسي لأول مرة في روسيا في بدايات القرن العشرين (1919م) خلال فترة الحرب الأهلية الروسية، وكان مفهوم الوسط هو خيار بين اليسار البلشفي (الأحمر) واليمين -نسبياً- المنشفي (الأبيض)، لكن سرعان ما ذاب الوسط السياسي في روسيا خلال الحرب الأهلية في البلشفية اليسارية.
تعددت بعد ذلك حركات الوسط السياسي حول العالم، وأصبح يُعرف أنه نظام يتبع نوعا من الموازنة بين المساواة (التي يدعو إليها اليسار) والحفاظ على التدرج الاجتماعي (الذي يدعو إليه اليمين). ظل الوسط السياسي في معظم دول العالم يدعو إلى نوع من الحريات الاقتصادية (يمين) مع مراعاة التحكم الاجتماعي والحد من الحريات الفردية (يسار) مثّل هذا التيار في السودان حزب الأمة. كما أن هناك منظومات وسط سياسي دعت إلى العكس، حيث مالت إلى اليسار في الاقتصاد بتبني الاشتراكية وإلى الليبرالية في الحريات الشخصية والمجتمعية (اليمين) ومثّل هذا التيار في السودان الاتحاديون، وفي بريطانيا حزب العمال. وعند الحديث عن الاتحاديين وحزب الأمة، المقصود تحديدا هو انقسام مؤتمر الخريجين بعد 1938م وليس حزبي الأمة والاتحادي بعد تحالف كل منهما على التوالي مع الختمية والأنصار.
عبور الأيدولوجيات:
هو توجه ناشئ في الفكر السياسي الحديث، يقبل وجاهة نظر مختلف الأيدولوجيات ويسعى إلى تجميعها في حاوية براقماتية شاملة متجاوزا الثنائيات السياسية المعروفة (يمينا ويسارا). وهو توجه مختلف عن الوسطية (ثنائية الفكر) التي تتبع أحد الأيدولوجيات السياسية في جوانب وتلتزم بها وتتبع أيدولوجيات سياسية أخرى في جوانب أخرى وتلتزم بها، كما هو مبيّن أعلاه في فقرة الحديث عن الوسط السياسي.
حزب بناء السودان يتبنى التوجه السياسي العابر للأيدولوجيات، الذي يسعى إلى إيجاد أرضية مشتركة بين مكونات المجتمع دون انحياز مسبق، متخطيا بذلك الاستقطاب السياسي التقليدي نحو اليسار أو اليمين في أي قضية. يتم إيجاد الأرضية المشتركة عبر أساليب علمية مثبتة تسهل الحوار المجتمعي والمداولات وفض النزاعات المجتمعية والسياسية ويسعى لتشكيل برامج تنفيذية مبنية على مصالح المجتمع ككل عبر اشراك المجتمع المتحاور في صياغة البرامج التنفيذية دون فوقية. يتم صياغة هذه البرامج وفق هدي الحوار المجتمعي بواسطة فرق متكاملة من الخبراء متعددي الخلفيات الأكاديمية والخبرات.
التوجه السياسي العابر للأيدولوجيات الذي تبنته حكومة الظل السودانية منذ إعلان تشكيلها في ديسمبر 2013 ويتبناه الآن حزب بناء السودان، متواجد أيضا في منظمات سياسية متعددة أبزها هو حزب “إلى الأمام” الفرنسي الذي أسسه إيمانويل ماكرون في 2016 واستطاع الحصول على أغلبية مكنت الحزب من الفوز برئاسة الجمهورية الفرنسية في 2017 ليصبح ماركون رئيسا لفرنسا، كما أن الحزب فاز بالانتخابات التشريعية التي تلت ذلك ليشكل الأغلبية البرلمانية. في الولايات المتحدة، أحد أهم منظمات التوجه العابر للأيدولوجيات هي مؤسسة الوسطاء الأمريكية (ميدياتورز فاونديشن) التي تقول عن نفسها ” نحن تيار أميركي صاعد – المحافظون والليبراليون، الوسطيون والمعتدلون. نحن مواطنون أميركيون نخلق جسرا بين الانقسامات المتنامية في نظامنا السياسي. لقد اجتمعنا معاً، في تمدن وحضارة واحترام وطيبة لحل المشاكل معاً.” (المصدر موقع مؤسسة الوسطاء). وكذلك التحالف العابر للأيدولوجيات (ترانسبارتيزان أللاينس) الذي يعرف نفسه قائلا “نحن نربط المواطنون والأفكار بحرية بغض النظر عن الفكر السياسي والديني والعرقي والاقتصادي. إذا لم يعط نظام الحزبين قيادة حقيقية، فسوف نجدها أو ننشئها معا كشعب. نحن، الشعب، نحن التغيير الذي نبحث عنه” (المصدر موقع تحالف سياتل لعابري الأيدولوجيات).
الشعب هو مصدر الوعي:
نحن في حزب بناء السودان كحزب عابر للأيدولوجيات، نؤمن أن الشعب هو مصدر الوعي بعكس الحركات والأحزاب السياسية الأخرى التي تسعى لتوعية الشعب. ونؤمن أن التطور والوعي المجتمعي هو نتيجة لواقع المجتمع الاقتصادي والسياسي والتعليمي والاجتماعي أكثر من كون أن الوعي هو ما يصنع الواقع ونؤمن أن التنوع هو مصدر لتعزيز وزيادة الوعي الفردي والمجتمعي. وحيث أن وعي الفرد هو نتيجة لواقعه/بيئته (تعليمه، تجاربه، خبراته، علاقاته الاجتماعية، وضعه الاقتصادي …الخ)، فإن الوعي الفردي قادر على أن يخلق واقعا جديدا ومستقبلا مختلفا للفرد. بنفس السياق نحن لا نسعى إلى توعية الشعب، بل نسعى إلى توفير حياة كريمة للشعب، كما يتمناها الشعب، وليس كما تتبناه النخب المنحازة لأيدولوجيات مختلفة، ونسعى إلى توفير تحسين (ولو جزئي) مستمر في أوضاعه الاقتصادية والخدمية عبر كل السبل الديمقراطية والقانونية الممكنة والمتاحة، لأن واقع المجتمع هو ما يُشكل وعيه وبالتالي يحسّن مستقبله ويخلق واقعا جديدا نحو الأفضل. باختصار نحن نؤمن أن التنمية هي ما يخلق الوعي وأن الوعي الناتج قادر على خلق تنمية أفضل، تقوم هي بدورها بخلق وعي أفضل وهكذا، في تحسين مستمر على صعيدي التنمية والوعي.
الرؤية الوطنية لحزب بناء السودان
(أهداف الحزب)
لماذا الرؤية الوطنية؟
ملخص الرؤية الوطنية:
نطمح إلى أن يكون السودان أحد أفضل 5 دول إفريقية خلال 10 سنوات، عبر إعادة بناء الدولة الوطنية الحديثة وفق مشروع وطني متكامل يحقق التنمية المستدامة في إطار دولة المواطنة وسيادة حكم القانون بما يوفر سبل العيش الكريم واللائق للإنسان السوداني.
منهجية اعداد الرؤية الوطنية:
1.نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي
2.مؤشر التنمية البشرية
3.مؤشر الشفافية والفساد والحكم الراشد
4.مؤشرات البطالة
5.أهداف الألفية للتنمية (2015)
6.مؤشرات البيئة والصحة والسلامة
7.مؤشرات السعادة والرفاهية
8.مؤشرات سهولة الأعمال
9.مؤشرات انتاجية العمل
10.الميزان التجاري
الرؤية الوطنية لحزب بناء السودان:
بدأ تأسيس حزب بناء السودان بناء على مبادرة قدمتها حكومة الظل السودانية في الرابع من فبراير 2018 لجموع السودانيات والسودانيين. حكومة الظل السودانية، مبادرة بدأ طرحها في 2011 عبر عدد من الصحف والمشاورات وصفحات التواصل الاجتماعي وفي سبتمبر 2012 عقد مؤتمر صحفي في الخرطوم للدعوة لقيام حكومة ظل سودانية كوسيلة جديدة للمعارضة ولتطوير الممارسة السياسية في السودان كما صاحب ذلك عدد من الندوات وحلقات النقاش والحوار الفكري والسجال حول الفكرة.
لمحات من الاستراتيجية والخط العام
1. الوصول للسلطة عبر اعتماد اسلوب التغيير المتدرج العميق كبديل للأسلوب الثوري.
2. رفع كفاءة الوسط السياسي في السودان عبر طرح شكل جديد للمنافسة يعتمد على البرامجية والسياسات البديلة.
3. تقليل تكلفه المشاركة السياسية بهدف زيادة المشاركين.
4. استهداف الأغلبية من المواطنين التي تطمح في التغيير مع ضمان استقرار الدولة.
5. إتباع أساليب وتكتيكات متنوعة لتحقيق التغيير المتدرج المستدام.
6. السعي لتحقيق تحسين نوعي مستمر في معيشة المواطن.
7. السعي لإنشاء مجموعات ضغط ومجموعات مصالح متعددة تحت مظلة الحزب البرامجي الذي تعتمد سياساته على الوصول إلى المصالح الاجتماعية المشتركة حيث تجتمع عليه مصالح الأغلبية.
8. تقوية مؤسسات الدولة وزيادة كفاءتها وحوكمتها.